لقد حملت ملحمة كربلاء الخالدة رسائل عديدة ومختلفة تخص المستويات العامة والخاصة بلا فرق بين الجماعات أو الافراد، وواحدة من رسائل ثورة الامام الحسين عليه السلام هي عالميتها التي كانت وكأنها خيمة للإنسانية.

 

وبمناسبة ذكرى استشهاد الامام الحسين(ع) وبهدف شرح أهداف الثورة الحسينية، أجرت وكالة "إکنا" للأنباء القرآنية حواراً خاصاً مع مدير دارالقرآن الكريم للعتبة الحسينية المقدسة "الشيخ حسن المنصوري"، واليكم نص الحوار:

 

 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعظم الله لنا ولكم الاجر بحلول ايام عاشورا ذكرى انتصار الدم على السيف وشهادة سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه في واقعة الطف;   ونحن في دار القرآن الكريم التابعة الى العتبة الحسينية المقدسة ومن جوار مرقد سيد الشهداء عليه السلام نقدم التعازي لامام العصر والزمان الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ولمراجع الدين العظام والامة الاسلامية ولكل الاحرار في العالم بهذه المناسبة الاليمة; ونتوجه لكم في وكالة "إکنا" للأنباء القرآنية بوصفها الوكالة الاخبارية المميزة بخدمتها لكتاب الله العزيز بالشكر والتقدير لاتاحة هذه الفرصة والتشرف في الحديث حول واقعة كربلاء.

لقد حملت ملحمة كربلاء الخالدة رسائل عديدة ومختلفة تخص المستويات العامة والخاصة بلا فرق بين الجماعات أو الافراد ومن بين أهم هذه الرسائل:

- ارادة الاصلاح والعمل على تقديم مصلحة الاسلام كدين والمجتمع ككيان على المصلحة الخاصة وكذلك الاستجابة إلى دعوة الله تحتاج الكثير من الاخلاص والمناجاة للتوفيق إلى العمل بما يرضى الله تعالى.

- كشفت ملحمة كربلاء عن سمات القائد الحقيقي وتضحياته حيث قدَّم الحسين عليه السلام أهل بيته وولده وخلص أصحابه وكل مايملك لتحقيق الهدف الاسمى وهو الحفاظ على دين جده المصطفى صلى الله عليه وآله.

-المرأة ليست ضعيفة كما يتصور البعض؛ فقد كشفت ثورة الحسين عليه السلام عن القدرات والقابليات الكبيرة ودورها في نجاح ثورة الحسين عليه السلام.

- واحدة من رسائل ثورة الحسين عليه السلام هي عالميتها التي كانت وكأنها خيمة للإنسانية.

- كانت ثورة الحسين عليه السلام رسالة لكل الثائرين والاحرار فتعلموا منه الايثار والاقدام والوقوف بوحه الظلم والطغيان في كل زمان ومكان.

- رسالة ثورة الحسين(ع) إلى الافراد أكدت أن الفرد عليه أن لا يجعل بينه وبين الله تعالى متاع الدنيا من المال أو الجاه أو العشيرة والولد؛ بل ينبغي أن يترك الجميع من أجل الغايات النبيلة التي قد يكلَّف بها.

- حينما تكون مع الله فسوف يخافك كل شيء.

- دماء الشهداء تصنع المستحيل و تصنع الخلود والانتصار . 

ما هو دور أحياء ذكرى ثورة الإمام الحسين عليه السلام في تعاطف الامة والتقريب بين المذاهب الاسلامية بدلاً من محل للخلافات المذهبية؟

إن عالمية ثورة الحسين عليه السلام كانت واضحة, ولعل تركيز الحسين عليه السلام في جمع هذه النخبة ومن مختلف القوميات والاعراق والالوان والاجناس؛ بل وحتى الاديان كان مقصوداً فاليوم يشعر الجميع بالانتماء إلى هذه الثورة وقد لاحظنا ترجمة ذلك من خلال المواكب المتنوعة والمختلفة من جميع الطوائف الاسلامية والاديان المسيحيين والصابئة والقوميات والأقليات المختلفة وكثير من الاجانب, وقد خلق هذا الجو العالمي ظاهرة مفعمة بالتوادد والمحبة بين سائر المجتمعين, وهذا بحد ذاته أوجد تقبل الثقافات وتقاربها حتى أن الخلافات الكثيرة تطرح جانباً في الاجتماع تحت خيمة الحسين عليه السلام وبذلك توفق الكثير من الأخوة إلى اللقاء والتشاور والتناصح ليستيقن الجميع أن المشتركات كثيرة وعنوان الحسين عليه السلام كفيل باجتماعها.    

هل يختص الإمام الحسين عليه السلام بالشيعة؟

والحسين عليه السلام جزء من المنظومة التي ركز الرسول صلى الله عليه وآله على وجوده وصلته بالجميع؛ ليس فقط على مستوى المسلمين فحسب, لأنه كما هو معروف فإن الحسين عليه السلام يمثل الامتداد الطبيعي للرسول صلى الله عليه وآله, وقد كان صلى الله عليه وآله للجميع رحمة مهداة حيث قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين), وقال صلى الله عليه وآله: (حسين مني وأنا من حسين), وعلى هذا فإن الحسين ليس مخصوصا بالشيعة, ولكن مما تجدر الاشارة إليه أن الشيعة أكثر من غيرهم أدركوا حقيقة الحسين وأهمية نهضته فوفقهم الله ليكونوا في خدمته, وقد تشرف جبرئيل عليه السلام بخدمة الحسين عليه السلام, فخدمته شرف ورفعة للجميع.

كان للامام الحسين عليه السلام خطاب في كربلاء أيام عاشوراء حين قال: "إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِيْنٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُوْنَ يَوْمَ المَعَادِ فَكُوْنُوا أَحْرَارَاً فِيْ دُنْيَاكُمْ"... السؤال الأساسي الذي يطرح هنا هل الحرية تساعد الشخص في تحقيق خيره وسعادته في النهاية؟ وما معنى ومقصود هذه العبارة : إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا؟

واحدة من الخطابات الحسينية المؤثرة في طف كربلاء في ساعة العسرة عندما هاجمت الخيل معسكر النساء توجه الحسين عليه السلام بهذا الخطاب الموجع والذي كشف فيها عن حالة الاسر والعبودية التي يعيشها الطرف الآخر, فلسان حال الحسين عليه السلام أوضح ان هؤلاء ليس لهم دين, والذي لا دين له يُتوقع منه الخسة والنذالة خاصة أنه لم يبقى أمامهم آنذاك إلا نساء ثكلى وأيتام جرحى, فأراد الحسين عليه السلام أن يذكرهم بالأصل الذي خلق الله الناس عليها وهو التحرر من قيود العبودية والجهالة;  ولكن هيهات فقد كان القوم عبيد أنفسهم وشهواتهم الدنيوية التي كشف عنها رمضاء كربلاء بكل وضوح بعد ان أثبت الحسين عليه السلام عليهم الحجة البالغة ودعاهم إلى الرجوع عن ذل العبودية إلى شموخ التحرر وقد فشلوا ولم يستجيبوا فكانوا قوما استحوذ عليهم، والشيطان فانساهم ذكر الله واستحقوا بذلك اللعنة والعذاب الاليم.

والحرية سبيل الوصول والحياة والسعادة؛ ولذلك كانت الحرية هدف الاحرار في كل عصر وزمان وقد تعارف عند الخواص قيمة الحرية وأبعادها, والله تعالى خلق الانسان حُرَّاُ ليتمكن من قراراته ويتحمل مسؤولية ذلك, فالحرية توفر القدرة والامكانية للأفراد والجماعات في اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تكون سببا للنجاة؛ ولكن ليس هناك شيء اسمه الحرية المطلقة, فالحرية مقيدة بعدم التجاوز على حقوق الآخرين لذلك شرَّع الاسلام قوانين خاصة للحرية وعلى هذا فإن الحرية دون الاسلام كمنهج تكون زائفة بل خدعة يعيشها أصحاب الغفلة وفاقدي البصيرة؛ لذلك نحن نبحث عن الحرية في كل متعلقاتنا وبالشكل الذي لا يتعارض مع قوانين السماء وحقوق الآخرين لتكون الحرية بذلك سبب النجاة والفلاح.

كما تعلم ملحمة كربلاء بقيت حيَّة على مدى العصور, ما هو السبب؟

ومثلت ثورة الحسين عليه السلام ضمير الانسانية فضلاً عن المسلمين وحملت رسالتهم المتجددة عبر الزمن حتى تجانست مع مفاهيم الفطرة السليمة فليس لأحد انتزاعها أو تجاهلها لأنها مصدر شحذ الهمم وشحن الطاقات الايجابية نحو مزيد من التقوى والصبر على البلاء خاصة مع وجود القدوة الحسنة التي تميزت بالعطاء دون مقابل والفداء متزيناً بثوب الطاعة لله تعالى وباذلا كل شيء في سبيله, نعم فالحسين(ع) كان كريماً مع الله تعالى والله أكرم فحينما وجد من الحسين(ع) هذه القدرة على العطاء زاده من عطاءه وجعله مثالاً لمن يريد أن يقتدي بمدرسة محمد آل محمد عبر العصور والسنوات, فخلد الحسين وهيئ له من يحيي مجلسه ويقوم على خدمته ويدوم زيارته ليكون عنصراً من عناصر حفظ الرسالة الاسلامية وهويتها الحقيقية.